05/11/2022 - 21:52

حوار مع د. مهند مصطفى | اليمين الديني الشعبوي يريد إعادتنا إلى عصا السيد اليهودي

لكن ما حدث بعدها هو أمر مؤسف فالعرب تشرذموا واليمين الشعبوي توحد، وبدل أن يأخذ العرب هذا السؤال المركزي ليكون رافعة لهم لعمل سياسي وحدوي وجماعي فإنهم تشرذموا وتآمروا على بعض وتبعثروا بفعل أسباب فئوية وشخصية انتهازية

حوار مع د. مهند مصطفى | اليمين الديني الشعبوي يريد إعادتنا إلى عصا السيد اليهودي

بعد خمس جولات انتخابية جرت خلال أربع سنوات، حسم اليمين الإسرائيلي بقيادة نتنياهو الانتخابات الأخيرة، بحصوله على أغلبية كافية لتشكيل حكومة ثابتة تقوم على ائتلاف وصفه المحلل السياسي في جريدة "نيويورك تايمز"، توماس فريدمان، بأنه "يتكون من زعماء حريديين وسياسيين قومجيين بضمنهم بعض المتطرفين اليهود والعنصريين المعادين للعرب".

وفي المجتمع العربي، انتهت الانتخابات الأخيرة بالتفكك النهائي للقائمة المشتركة، التي اعتبرها البعض تجربة "وحدوية رائدة" ساهمت في تجميع الصوت العربي وخلق قوة انتخابات وازنة تكونت من 13 إلى 15 مقعدا بالتوالي.

وهو ما أسفر عن تبعثر الصوت العربي وتشتته وأدى إلى عدم اجتياز التجمع الوطني الديمقراطي نسبة الحسم، بعد تعرضه لمؤامرة وإقصاء تسببتا بخسارة تمثيله وانخفاض التمثيل العربي في الكنيست.

وبهذا الصدد، حاور "عرب 48" مدير مركز مدى الكرمل، د. مهند مصطفى، حول نتائج الانتخابات الإسرائيلية وتداعياتها على الفلسطينيين على جانبي الخط الأخضر.

"عرب 48": ما هو تقييمك الأولي لنتائج الانتخابات الإسرائيلية، ولماذا وكيف تمكن نتنياهو أخيرا من حسم "المعركة" لصالحه؟

مصطفى: يمكن أن نفسر فوز معسكر نتنياهو بعد خمس جولات انتخابية، بعدة عوامل في مقدمتها ارتفاع نسبة التصويت في القواعد الاجتماعية لليمين الإسرائيلي، وهو ما أدى إلى ارتفاع نسبة التصويت العامة لذروة لم تصلها منذ 20 عاما.

د. مهند مصطفى

السبب الثاني، يعود إلى تماسك معسكر نتنياهو، مقابل تبعثر المعسكر المناهض له والذي تألف إلى جانب "ييش عتيد" من عدة قوائم صغيرة بعضها لم يعبر نسبة الحسم. ويعود ذلك إلى المجهود الكبير الذي بذله نتنياهو للعمل على صيانة معسكره، حيث منع تفكك "الصهيونية الدينية"، كما منع تفكك "يهدوت هتوراة"، في حين أن المعسكر المناهض وعلاوة على التنافس بين لبيد وغانتس على رئاسة الحكومة المأمولة فقد شهد تفكك القائمة المشتركة ولم يستطع توحيد "ميرتس" وحزب "العمل" الأمر الذي أهدر الكثير من الأصوات.

السبب الثالث والمركزي هو الهيمنة التي يتمتع بها، ليس فقط الخطاب الشعبوي، بل الخطاب الديني الشعبوي في إسرائيل، وهو ما برز بوضوح في الانتخابات الأخيرة، فبينما كان نتنياهو ينتج كل الوقت "خطابا يمينيا شعبويا" ظهر في هذه الانتخابات "خطاب ديني شعبوي" يقوده بن غفير، والفرق بين خطاب نتنياهو وخطاب "عوتسما يهوديت" الذي يقوده بن غفير، هو أن خطاب نتنياهو الشعبوي أداة لتجنيد مؤيديه والحفاظ على معسكره، أما خطاب بن غفير فهو أيديولوجيا بحد ذاتها، تسعى للفعل وتحقيق أهدافها، وهذا فرق مهم.

من هنا نرى أن المجتمع الإسرائيلي تعامل مع هذه الانتخابات على أنها عودة للسيادة الإسرائيلية، بل عودة للسيد اليهودي، هناك شعور جرى إنتاجه بأن مكانة السيد اليهودي قد تآكلت ويجب استعادة هذه المكانة، والأمر لا يتعلق بالضفة الغربية وقطاع غزة فقط بل بالفلسطينيين داخل الخط الأخضر أساسا.

"عرب 48": هي "موضة سياسية" إن صح التعبير حيث نشهد في كل بضع سنوات من يخرج علينا منفلتا ويريد "حكمنا" أو "تربيتنا" من جديد وكأن السابقين له قد "قصروا فينا" أو أنه "أشطر منهم"، لقد رأينا هذه الأشكال أمثال ليبرمان وزئيفي وكهانا وحتى إيتان وشارون وغيرهم وخوفونا بهم، واليوم يأتي دور بن غفير..

مصطفى: المشكلة ليست بالشخص بل في المجتمع الذي ينتج هذه الحالة، حيث يتم التعامل مع كل حالة في حياة فلسطينيي الـ48 من قبل اليمين الديني الشعبوي على أنها تحدي للسيد اليهودي، فحتى موضوع الجريمة والعنف، التي عندما انحصرت داخل حدود البلدات العربية لم يتحدث عنها أحد ولكن عندما انزلقت إلى البلدات اليهودية بدأوا يتحدثون عن فقدان السيادة والحوكمة والسيطرة.

اليمين الديني الشعبوي قام بتأطير انزلاق الجريمة إلى البلدات اليهودية على أساس قومي، بمعنى أنه ليس العرب هم من يقومون بالجريمة على أساس قومي، بل اليهود هم من قاموا بتأطيرها على أساس قومي بصيغة كيف يجرؤ هؤلاء "العرب المجرمون" على دخول البلدات اليهودية وتحدي السيد اليهودي.

كذلك الأمر مع موضوع الاعتماد على قائمة عربية، الذي ترجم بدخول القائمة العربية الموحدة إلى الائتلاف الحكومي، جرى تأطيره على أساس قومي، علما أن هناك أغلبية عربية تعارض ذلك وتعتبره تنازلا وتقويضا للثوابت الوطنية.

ولذلك يريد بن غفير أن "يخبط على رأس العرب"، بتعبيره، وهو خطاب خاطب فيه المشاعر اليهودية البدائية التي ترى باليهود أسيادا وبالعرب خداما وربما عبيدا.

فكرة عودة السيد اليهودي، أو عودة الفوقية اليهودية حتى بالمفهوم البدائي وليس بالمفهوم الذي كان قائما كل الوقت في الدولة اليهودية، المفهوم البدائي الذي يرى حتى باندماج العرب بمؤسسات الدولة وإلحاقهم وبنجاحاتهم الفردية نوعا من التحدي لمكانة السيد اليهودي، وبهذا المعنى فإن الخطاب الشعبوي الديني يحول أي حراك للوجود العربي داخل إسرائيل على أنه تحد للسيد اليهودي وللسيادة اليهودية.

من هذا "المكان" صعد بن غفير واليهود صوتوا له لكي يضعنا في المكانة الصحيحة، كما يعتقدون، وإعادتها إلى سياق علاقة الخادم بالسيد بالمفهوم المجرد وليس بالمفهوم السياسي فقط.

"عرب 48": لاحظنا أيضا ارتفاع في نسبة تمثيل الحريديين في هذه الانتخابات وخاصة حركة "شاس" بقيادة أرييه درعي..

مصطفى: التيار الحريدي اليوم هو تيار يميني، لأن الجمهور المتزمت الحريدي أصبح يمينيا، ولذلك فإن القيادات الحريدية التي لا يهمها الشأن السياسي بل يهمها الشأن الديني قد تحولت إلى قيادات يمينية وصار من الصعب أن تنضم إلى حكومة غير يمينية، وهذا الأمر ساهم في تبلور معسكر نتنياهو كمعسكر يميني يشمل الحريديين.

وقد أصبحت القواعد الاجتماعية لمعسكر نتنياهو قواعد ثابتة ومتماسكة، لا تريد إلا معسكر يمين وتفرض هذا الموقف على قياداتها، وقد ساهم في هذا التحول الذي حصل لدى الحريديين تحول اليسار الصهيوني من السؤال الفلسطيني إلى سؤال الدين والدولة، الذي وضع العلاقة بينه وبين الحريديين في حالة صدام، بعد أن ساد نوع من التحالف مع مباي وحزب العمل فترة 30 عاما.

اليسار الصهيوني وبعد التراجع الإستراتيجي في الموضوع الفلسطيني الذي حدث لديه عقب فشل مفاوضات كامب ديفيد، أصبح سؤال الدين والدولة في مركز اهتماماته، في حين نجح اليمين الذي طرح نفسه كيمين محافظ في جذب هذه القواعد إلى توجهاته من خلال دمجهم في المشروع الاستيطاني، حيث تصل نسبة الحريديين اليوم إلى 50% من المستوطنين في الضفة الغربية، الأمر الذي حولهم إلى حريديين قوميين، هذا ناهيك عن دمجهم في الجيش الإسرائيلي.

"عرب 48": نلاحظ أن الموضوع الفلسطيني نزل نهائيا عن أجندة الانتخابات الإسرائيلية..

مصطفى: لقد نجح اليمين الإسرائيلي في تحقيق إجماع إسرائيلي حول فكرة عدم وجود حل للقضية الفلسطينية، وهو في غضون ذلك يفرض حقائق على الأرض ويمارس سياسة الضم الزاحف لمناطق "ج" في الضفة الغربية.

"عرب 48": الأحزاب العربية تساوقت أيضا مع هذا التغيير في الأجندة، وتنازلت عن الموضوع الفلسطيني..

مصطفى: الأحزاب العربية لم تستطع أن تفرض الموضوع الفلسطيني ولا أن تفرض موضوع بنية النظام، ولا أن تعيد من جديد خطاب يهودية الدولة والحقوق الجماعية للفلسطينيين في إسرائيل.

ولكن من الجانب الآخر والمقصود بالوجه السلبي، أصبح سؤال مكانة الفلسطينيين في داخل إسرائيل سؤالا مركزيا، فهو السؤال الذي صعد عليه بن غفير وهو السؤال الذي يجعل معسكر نتنياهو متماسكا.

والمقصود مكانتهم السياسية ودورهم السياسي سواء داخل مناطق 48 أو خارج إسرائيل، وقوتهم الإيجابية في نشوء نخب مثقفين ومتعلمين ومهنيين، وحراكهم السياسي والاجتماعي، وقدرتهم في أن يهددوا الأمن الشخصي للإسرائيليين من خلال العنف والجريمة.

وقد برز هذا الدور بشكل جلي في هبة أيار/مايو 2021 التي رفعت مكانة الفلسطينيين في إسرائيل إلى القمة، ليس على المستوى الفلسطيني فقط بل على مستوى النظام السياسي الإسرائيلي أساسا.

لكن ما حدث بعدها هو أمر مؤسف فالعرب تشرذموا واليمين الشعبوي توحد، وبدل أن يأخذ العرب هذا السؤال المركزي ليكون رافعة لهم لعمل سياسي وحدوي وجماعي فإنهم تشرذموا وتآمروا على بعض وتبعثروا بفعل أسباب فئوية وشخصية انتهازية، بمعنى أنهم لم يكونوا على قدر التحدي الذي فرضته الهبة ولم يفهموه، بينما أخذ اليمين الإسرائيلي هذا التحدي على محمل الجد وقام بعملية تمكين كبيرة داخل الشارع اليهودي.

ومثلما استغل اليمين الشعبوي المتطرف في أوروبا، عندما أخذ سؤال الأقليات مع الفرق الشاسع، وبنى جمهورا كارها لهذه المجموعات، وهو (جمهور) يعتقد أن هذه المجموعات تهدد هويته ولقمة عيشه، هكذا فعل اليمين الديني الشعبوي ولذلك رفع مقولة كاذبة أن العلم الإسرائيلي ينزل والعلم الفلسطيني يرفع.

"عرب 48": العرب ركضوا وراء وهم التأثير ولذلك تشرذموا..

مصطفى: هم تشرذموا مع انسلاخ القائمة الموحدة ودخولها إلى حكومة لبيد الأمر الذي ساهم أصلا في تعزيز قوة اليمين المتطرف في إسرائيل، وتفرقوا لأن أيمن عودة وأحمد طيبي أرادا منافسة منصور عباس على الفتات.

ورغم أن البيان السياسي الذي وقعا عليه مع التجمع، عبر عن فهم لهذا الواقع وهذا التحدي وأعطاه أهميته ووضع بناء عليه خطاب سياسي يتلاءم معه ومع هذا التحليل، إلا أن النزعة المذكورة والتنافس مع منصور عباس على الفتات والرغبة بالتحول إلى بيضة القبان بعد أن التحق هو بالائتلاف الحكومي، دفع عودة والطيبي إلى التحرر من هذا البيان والالتفاف على التجمع وإقصائه، وبغض النظر إذا جرى ذلك بالتعاون مع لبيد أو بدونه فإن النتيجة واحدة.

"عرب 48": النتيجة كانت سيئة للجميع، علما أن التجمع ورغم عدم عبوره نسبة الحسم وخسارة تمثيله في الكنيست أعاد لنفسه الكثير من دوره وقوته وهيبته السياسية والجماهيرية..

مصطفى: التجمع حقق إنجازا انتخابيا كبيرا رغم عدم عبوره نسبة الحسم، ولكن التحدي الأساسي بالنسبة له هو بعد الانتخابات، لأن التجربة العربية تاريخيا تفيد بأن ما من حزب ارتهن للكنيست، والتجمع للأسف الشديد ارتهن للكنيست في السنوات الأخيرة، وخسر تمثيله في الكنيست قد تمكن من العودة إليها.

لذلك فإن التحدي أمام التجمع هو أن يعيد بنيته التنظيمية وبناء فروعه وخطابه السياسي وعدم ربط وجوده بدخوله للكنيست أو عدم دخوله إليها، وباعتقادي فإن تفكيك تحالف المشتركة كان لصالح التجمع لأنه استطاع أن يستعيد نفسه وكوادره وأن يعيد المكانة لخطابه السياسي.

"عرب 48": وماذا بالنسبة للموحدة والجبهة والطيبي؟

مصطفى: أعتقد أن فوز نتنياهو أبطل مفاعيل شعاراتهم المتعلقة بالتأثير بكرامة أو بغيرها، علما أنهم وجوه لعملة واحدة، وأعادهم إلى مكانتهم الصحيحة بمفهوم اليمين الشعبوي، ومن المؤسف أنهم بنوا تصوراتهم على حالة طارئة في النظام السياسي الإسرائيلي.

التعليقات